الأدب والشعر

فانتازيا الحب ايمان العطيفى

فانتازيا الحب ايمان العطيفى

فانتازيا الحب

ايمان العطيفى

 

 

ترى هل كانت الزينة المعلقة على النافذة المقابلة بغرض التعبير عن الفرح بليلة خطبة جارتها وصديقتها ؟أم أن الجيران يتعمدون الإمعان في طعنها وإعلان انتصار ابنتهم وفوزها بحبيب صديقتها ؟!. كانت الأغنيات العابرة من مكبرات الصوت إلى فضاء روحها المعتم، أقوى من مقاومتها ومحاولة دفعها بعيدا عن أذنيها ،حيث كانت الزغاريد بمثابة خناجر تطعن كل ناحية في ذلك الجسد الذي وهن حتى تلاشى، وهي تتذكر المرة الأولى التي دخلت فيها بوابة الحب، وكيف راحت ترسم وحبيبها عالما جميلا لن يكون لغيرهما ؛ وعندما آمنت بهذا العالم قررت أن تبذل له كل شيء ولم تتردد في أن تمنح حبيبها جزءا من جسدها، حين قرر الأطباء إصابته بالفشل الكلوي ،واحتياجه لكلية تمكنه من العودة للحياة ،فقبلت راضية رغم كلمات أمها التي لم تزل تتردد في أذنها – أنت لن تمنحيه جزءا من جسدك أنت ستمنحيه جزءا من حياتك ؛ غير أنها أرادت اقتسام حياتها وحبيبها . حاولت إحدى صديقاتها مواساتها زاعمة أن والديه هما السبب وضغطا عليه رافضين أن يرتبط ابنهما بفتاة تعيش بكلية واحدة ؛ قالتها على استحياء وعتاب في نفس اللحظة . كان صوت الزغاريد يعلو كلما زاد عدد المهنئين، وكان الحزن يحتويها حتى بدت ذاهلة واختلط داخلها الحلم بالوهم، والخيال بالواقع ،فوجدت نفسها بلا إرادة تدخل حجرتها وترتدي الفستان الذي أعدته لحفل خطبتها ؛ وقفت أمام المرآة وراحت تحدّث صديقاتها ليساعدنها في ارتداء الفستان ووضع المساحيق ؛ ارتدت القرط والعقد والخاتم وراحت تتذكر ساعة ما أبدى إعجابه بذوقها قائلا

– كان يجب عليّ أنا شراء هذا الطقم لك

– ومن أنت ومن أنا ؟

– ولكن كان سيسعدني لو أنا الذي قدمت لك هذه الهدية الجملة

– خذها يا حبيبي وقدمها لي .

ضحكا معا وقبل يدها ولم تزل قبلته تلك تسري في مسام يديها .

كان صخب الموسيقى يتردد ممتزجا بالزغاريد ،فتنهر صديقاتها للانتهاء من وضع آخر اللمسات سريعا ،فقد تأخرت على حبيبها وعلى ضيوف الحفل . ذلك عالمها الجديد الذي ينتظرها لتكون مليكته ؛ وقد قررت وضع دستور جديد للحب يتبعه العالم . كانت الأم تطرق الباب بشدة وتنادي بأعلى صوت

– افتحي يا ابنتي فأنت جديرة بأفضل من هذا الخائن الوضيع ؛ أنت نبتة صالحة ولكن أرضه بور وماؤه مالح ؛ افتحي ولا تستسلمي لهذا الاكتئاب والوحدة ثانية .

راحت تتجه نحو السرير وتغيب في عالمها الذي اختارها واختارته .

اختلط صوت الصراخ بصوت الزغاريد وانتهت الليلة ؛ وربما لم تنتهي . كانت الكلية التي أهدتها إليه قد التأم نسيجها مع جسده سريعا ،حتى أخبره الطبيب بأنها تعمل بشكل طبيعي . مرت شهور لم تُظهر ملامحه أو أحواله نوعا من الحزن والندم حتى لكأنه كائن غير الذي عرفته وألفته وأخبرت عنه أهلها وصويحباتها أن روحها تسكن جسده ؛ تلك الروح الآن صارت غريبة عنه ؛ غريبة جدا حتى بدأت تخرج منه بمفردات الذكريات الأجمل والأصدق وهكذا تلاشت من داخله سريعا . ذات يوم في بيت خطيبته كان يبادلها كلمات الحب والغزل فجأة دخل في نوبة غثيان وقيء غريبة، حتى اضطر لمغادرة منزل خطيبته معولا على وجود ميكروب في معدته ؛ لكن أعراضا أخرى ذكرته بما كان عليه قبل زرع الكلية ،فهرول إلى الطبيب الذي أخبره بدهشته لتوقف الكلية عن العمل، وهو لا يرى سببا لذلك ؛ فراح يسأله عن حالته النفسية وعن أدوية يتناولها ؛ فلما لم يجد عنده إجابة قد تكون السبب في انهيار الكلية وتوقفها عن العمل ؛ أخبره بوجوب تكرار العملية والحاجة لمتبرع آخر لأن عملية الغسيل لن تجدي . زاد عليه الإرهاق وفقدان الشهية مع شعور بضيق في التنفس من وقت لآخر مما دفعه للاعتراف لخطيبته بما أخبره الطبيب ،وأن حياته متوقفة على وجود متبرع ؛ غير أنه لم يكن يمتلك الشجاعة على أن يطلب منها التضحية ؛ أما هي فقد تجاهلت أمره ؛ ويبدو أنها تذكرت خيانتهما لصديقتها وجارتها وربما كان هذا هو عقاب من الله له وهي أيضا تنتظر عقابا آخر ؛ إن الكلية التي وهبتها له ماتت كموت صاحبتها ولم تألف ذلك الجسد المجرد من التكوين الإنساني السوي ؛ فكيف لها أن تضحي لأجله . في اليوم التالي أرسلت له هداياه وكتبت له رسالة ( إن الحب الذي يهب الحياة يمكن أيضا أن يهب الموت )

…….

#ايمان العطيفى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى